ـ انشدنا السيّد الحسني أحسن الله إليه، لأحدهم في (الجهل المركب):

قال حمار الحكيم يوماً                                 لو أنصف الناسُ كنتُ أركبْ

لأنني جاهلٌ بسيط                                     وراكبي جاهلٌ مركّبْ

ـ وقال آخر:

ما لابن آدم والعلوم وإنّما                              يسعى ليعلم أنّه لا يعلمُ

ـ وللشافعي قوله:

كلَّما آدَّ بني الدهر                                      أراني نقص عقلي

وإذا ما ازددتُ علماً                                   زادني علماً بجهلي

ـ وقال السيد الحسني في (الخلف الذي خلف) :

ذهبَ الذين يًعاش في أكنا فهم

                                                        وبقي الذين وجودهم لا ينفع

قال الجلالي:

المحفوظ عن عائشة أنّها تمثلت بقول لبيدالشاعر:

وعجز البيت: (وبقيتُ في خلف كجلد الأجرب )

وتاليه: يتأكلون مشيحة وخيانة

                                                        ويعاب قائلهم واذ لم يشعب

كذا في مصنف ابن أبي شيبة (6/176) ولكن عبد الرزاق في المصنف (11/ 247) جعل التالى قوله: (يتحدثون مخافة وملاذةً ) إلى آخره وجاء في كتاب معجم الصحابة لأبي نعيم (17/103:( وبقيت في نسل كجلد الأجرب).

وجاء في تهذيب الآثار للطبري بعد قوله: (الأجرب ) قالت عائشة : (فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟) تهذيب الآثار (1/185).

أقول: ذكر أصحاب (المسلسلات ) هذا الحديث بعنوان (المسلسل بقول: كيف لو أدرك زماننا هذا ؟) فليراجع.

ـ وأملى السيد الحسني دام فضله وإحسانه :

قال سفيان بن سعيد الثوري لأحد أصحابه: هل بلغك عن أحدٍ من الناس أنّه ذكرك بسوء ؟ قال: لا. قال: فَلِمَ ؟ قال: لأنه لا يعرفني.

قال: فأقللْ ممن تعرف.

وقال: صحبت الناس خمسين سنة، ماسترلي أحدٌ عورةً ، ولا ردّ عنّي غيبةً ، ولا قطعتُه فوصلني، وأخصّ أصحابي من لو خاصمتُه في رُمّانةٍ فقال: ‹‹هي حلوةٌ ›› وقلت: ‹‹ هي حامضٌ ›› لسعى بي حتى يشيط بدمي.

وفي هذا المعنى قيل:

لقاء الناس ليس يفيد شيئاُ

                                                        سوى الهذيان من قيلٍ وقالِ

فأقللْ من لقاء الناس إلا

                                                        لكسب العلم أو تحسين حالِ

وقال الآخر:

أنِستُ يوحشتي حتى لو أنّي

                                                        أتيتُ الأُنسَ لاستوحشتُ منهُ

ولم تدع التجارب لي صديقاً

                                                        أميلُ إليه إلّا مُلْتُ عنهُ

بقول الجلالي:

زارنا العلامة الأديب البحاثه السيد إبراهيم الوزير حفظه الله وهو من رجال اليمن الأعلام المشاهير، في قم المقدسة سنة 1427 هـ ، ودار الحديث عن ضيق المجال، فأنشدنا قول بعضهم:

يقولون بيتك ذا ضيّقٌ                         وهل نسجتهُ لك العنكبوتْ

فقلت المقام قليلٌ به                                    وهذا كثير على من يموتْ

ـ وأملى علينا السيّد الحسني أحسن الله إليه من الظرائف:

أن أحدهم واسمه (حمزة) نادى أخاَ له و اسمه (عبدالله) فقال:

(يا عبدالله يا عبدالله) فلم يجبه، فدنا منه وقال: مالي أناديك ولم تجبني؟! فقال عبدالله في جوابه: أنت تنادي (عبدالله ) وكل الناس عباد الله! وفي نفس اللحظة نادى شخصٌ (حمزة): (يا حمزة يا حمزة) فلم يرد عليه، ولمأ عاتبه، قال حمزة : لأنّ كلّ الناس حماميز الله!

وكان في ساعة الإملاء هذا من الحضور السيد أبو إبراهيم الهاشمي فذكر هذه اللطيفة : أن السيّد العلامة على حسن مطر الهاشمي نزل ضيفاً على أحدهم، فقدم في المائدة ديكاً ضخماً ، فقال السيد علي ملاطفاً : (إنّه ديكٌ وديكٌ ) يعني ديكٌ ذو دسم وسمن!

فقال صاحب المنزل: كلا ، إنّه ديك واحد ، ولكنه كبيرٌ ، لأنه ظنّ أن السيد مطر حسبه ديكي ، واعتبر قوله: (وديكٌ) عطفاً !

فلما شرحوا له المعنى اسقط ما في يده وخجل.

بقول السيد ابو ابراهيم : وبعد مدّة ، لقيني الرجل في الطريق وقال:

يظن صاحبك أنه علامة أديب، وأنا قد صنعت مثله فأشار إلى سمكة بيده وقال: (هذا سمكٌ سميكٌ )!

ـ وقال السيد الحسني جعل الله مستقبل أمره أحسن من ماضيه:

لقي أحد علماء أهل السنة في البصرة شخصاً من المبتدئين في طلب العلم في حوزة النجف الأشرف ، فقال له :

يقال: إن طلاب العلم في النجف أقوياء، في العربية وعلم النحو، فاذكر لي ما هو ‹‹الفاعل›› في هذا الشعر:

ما نالني من حُبّها                                              لا والذي عَزَوَجَلْ

فتامل الطالب وفكّر بُرهة ثم قال: الفاعل هو «وَجَلٌ››.

فأعجب السائل، وقال: هكذا تنتج النجفُ!

بقول الجلالي: وأخبرني صديقنا الشيخ معين الكوفي عافاه الله : أنه ذهب مع بعض أصدقاته إلى زيارة سامراء ، ومرّ في بعض الطرق بلوحة عليها اسم (معهد الدراسة الإسلامية ) فدخلوا المبنى، فاذا هي مدرسة للعلوم الدينية ، والشيخ الاستاد يدرّس الطلبة علم البلاغة ، وموضوع البحث (الكناية أبلغ من التصريح). قال الشيخ معين : فسألت المدرس : شيخنا ما هو السبب في كون (الكناية ) أبلغ، مع أن التصريح أوضح و فهم المعنى مع التصريح أسهل وأسرع؟

فسكت المدرس قليلاً ، ثم خرج وإذا به أتى مع الشيخ أيوب، مدير المدرسة و رئيسها ـ وكان هذا الشيخ كبير علماء سامراء واماماً للجمعة والجماعة فيها.

فجاء الشيخ أيوب وبدأ يتكلم ويشرح أموراً أخرى، ولم يحلّ المطلب ولم يجب على سؤالي، وقد التزمت السكوت تأدّباً واحتراماً ، وبعد الفراغ من الدرس ؟ وتفرق الطلاب ، رحَبَ بناالشيخ أيوب، وسألني : ما هو رأيك أنت في وجه كون (الكناية أبلغ من التصريح)؟ فقلت له: الوجه في ذلك أن الكناية تحوى على ما يراد من التصريح بإضافة الدليل عليه، فإذا أريد التعبير عن كرم الشخص فيقال له: إنّه كثير الرماد ، فقد أفاد إنه كريم وأفاد الدليل عليه انه صاحب رماد كثير نتيجة طبخه للطعام بخلاف ما لو قلنا: (انه كريم) فقد يكون مجرّد دعوى بلا دليل عليه.

فاستحسن الشيخ أيوب هذا الجواب، وسألني عن أصلي وحسبي ودراستي ، فلما قلت له: أنا من طلاب العلم في النجف، رحّب كثيراً ، ثم قال : اني أملك زمام الأمور بهذا البلد من القضايا العلمية وحتى الادارية والأمنية وكل شيء تحت أمرى وسيطرتي وأنا أطلب منك أن تقيم هنا وأهيء لك كل وسائل الراحة ، والأمن وأن تدرس عندنا طلابنا فإنا بحاجة إلى مدرسين أقوياء لأنا نرسل طلابنا الى العالم للتبليغ في الهند والباكستان وافغانستان.

قال الشيخ معين: فوعدته بالتفكير في الأمر.

وقال الشيخ معين ونحن نتحدث عن أساليب الإرشاد وطرقه: إن رجلين من أهل النجف، أحدهما كان سائقاً لسيارة أجرة، والآخر كان حفّاراً للقبور، كانا صديقين منذ الطفولة حتى الكبر، وكان الحفّار يذهب مع السائق إلى بغداد، فكان السائق يذهب إلى مراكز اللهو واللعب والفجور في بغداد، وأما الحفّار فكان يذهب إلى الكاظمية لزيارة مرقد الإمامين الكاظم والجواد عليهما السلام، ثم يرجعان سويّة إلى النجف ، و كان السائق يطلع صديقه الحفّار على كلّ ما كان يفعله من أعمال الفسق والفجور ، والحفّار يتحدث عن احواله ومشاهداته في الحرم الكاظمي الشريف ، ثم أنه حصلت بينهما جفوة ثم فجوة ، وادى إلى انقطاع دام سنواتٍ كثيرة.

وقد تيقن السائق أن الحفّار قد فضحه بين الناس ، وشهّر بما يعلمه منه من فعلٍ قبيح ومنكرات كان يعرّف بها هو.

فراح السائق يتساءل من هذا وذاك ويتطلع الأخبار عن ما قاله الحفّار في حقّه ، وعن ما جناه في شبييته باعترافه.

فأنكر الجميعُ أن يكون الحفّار قد ذكرشيئاً حوله.

فاستغرب السائق، وراح يتساءل وبقول للحفار: إنّك مع معرفتك التامة بأعمالي و أحوالي، وسوابقي وفسادي، فإنك سكتّ ولم تقل لأحدٍ شيئاً، ولم تذكرني بسوءٍ ، مع ما بيننا من القطيعة والانفصال والبُعد؟! قال الحفّار: نعم، أنا لم أذكر لأحدٍ شيئاً ، وما يفيدُ كلامي لو قلت، إنّك إنّما فعلت ما فعلت في زمانٍ سابق مضى، وقد كنت في حالة شباب وغرور ، وقد ولىّ، وكبرتَ اليوم، وقد ذهبت تلك الأيام بما فيها، فماذا يكون في إعلانها وأخبارها من أثر وفائدة ؟

ثم ماذا يحصل لي من ذلك؟ وأنت اليوم إنسان آخر تتمكن من فعل الخير والقيام بالبرّ بنفسك وبالآخرين ، وأن تكون مفيداً وطيّباً ، وتستغفر ربك على ما مضى متك، والله ربنا غفور رحيم ، يغفرلك ما مضى من الذنوب، ويعطف عليك ويتكرّم عليك بالبركة والصلاح.

قال السائق: كان موقف الحفّار، وكلامه هذا سبباً لرجوعي عن جميع أعمالي السابقة وتوبتي منها، واستغفاري وإنابتي إلى الله، والتزامي التامّ.

 

 

 

 

يكشنبه ۲۶ فروردين ۱۳۸۶ ساعت ۲۲:۰۰